القدسي

Description

صدر في بداية فبراير للشاعر محمد بنيس، عن دار توبقال للنشر بالدار البيضاء، ترجمته لديوان جورج باطاي، بعنوان ‘القدُسي وقصائد أخرى’، ضمن سلسلة تجارب شعرية التي شرعت توبقال في إصدارها منذ سنوات. وقد كتب بنـيس كلمة عن الديوان وترجمته إلى العربية، تضيء مسالك هذا العمل المتفرد في الحركة الشعرية للقرن العشرين. ولأهمية هذا العمل لجورج باطاي واستثنائيته، ننشر كلمة محمد بنيس عن الديوان الترجمة، بعد أن سبق لنا أن نشرنا المقدمة التي خص بها برنار نويل هذا الديوان، تناول فيها التجربة الشعرية لباطاي (راجع ‘القدس العربي’، عدد الثلاثاء، 16 فبراير، 2010)، كما ننشر قصائد محدودة من الديوان، باتفاق مع كل من المترجم ودار توبقال للنشر. عن الديوان والترجمة كنت، منذ سنوات طويلة، أخذت أتعرف على أعمال جورج باطاي. وكان كتاب ‘التجربة الداخلية’ أو ‘المستحيل’ (عنوان جديد لكتاب ‘كراهية الشعر’) أو ‘الأدب والشر’ ذات حظوة في نفسي. لم يتوقف تعرفي على باطاي عبر السنوات، لكنني لم يسبق لي أن قرأت سوى قصائدَ متفرقة من شعره. وعندما أصبح هذا الديوان بين يديّ وجدتني منخرطاً في نقله إلى العربية، ثم تبين لي أن ترجمته ستقدم شيئاً غير معتاد، بالنسبة لمعرفتنا بالشعر الحديث في القرن العشرين. إذ أن ترجمة ‘القدُسي’ تضعنا أمام عمل على هامش التجارب الشعرية، وربما يطرح على قارئه أسئلة صعبة جداً، تخص معنى وحقيقة الشعر. لم تكن الفظاعة، التي تستحوذ على الديوان، ما دعاني إلى الشروع الفوري في الترجمة. يتكفل تقديم برنار نويل برفع الالتباسات المتسرعة (أو المغرية) التي قد تنتج عن القراءة الأولى. فهذا التقديم يسترجع شعرية جورج باطاي، بعمق كبير. ولن أضيف إليه شيئاً. لكن ما حرضني على الترجمة هو الرؤية النقدية التي تذهب رأساً إلى الشعر السوريالي (والطليعة الشعرية عموماً). ينتقل الشعر، مع باطاي، من الرأس (الذهن) إلى كامل الجسد، ومن الجمال إلى الفظاعة أو، باختصار، إلى ‘كراهية’ الشعر. تلك هي استراتيجية باطاي، التي لم يكن الشعر فيها سوى كتابة مضادة للكتابة السوريالية، في أسسها النظرية وفي شعريتها على السواء. ولا شك أن تمجيد السوريالية في الحركة الشعرية العربية الحديثة، منذ مجلة شعر حتى الآن، أو الترويج لثقافة استهلاكية للجسد، من بين ما يبرر تعرفنا على وعي مضاد وجذري إلى حد بعيد، من داخل الشعر الفرنسي نفسه، لم يجد السبيل، شعرياً، بعدُ إلى الحداثة (وما يسمى بـ’ما بعد الحداثة’) الشعرية العربية.