لقد ارتبطت مشكلة التمويل الخارجي ارتباطا وثيقاً بمشكلات التنمية الاقتصادية واحتلت موقع الصدارة ضمن قائمة الاهتمامات الدولية ، لا سيما في ظل الواقع الجديد الذي فرضته المتغيرات الدولية المعاصرة وانعكاساتها على اقتصاديات البلدان النامية عموماً .فرغم ما لهذه المشكلة من جذور تاريخية قديمة في إطار علاقات التبعية والتبادل اللا متكافئ بين البلدان النامية والبلدان الرأسمالية المتقدمة، إلا أنها أخذت أبعاداً و مضامين جديدة ، خاصةً ضمن التطورات التي حصلت في مجال العولمة المالية وهيمنة الاقتصاد المالي على جوانب واسعة من العلاقات الاقتصادية الدولية، و ما تدعو إليه المؤسسات الدولية ضمن وظائفها الجديدة من سياسات إصلاح اقتصادي شملت العديد من البلدان النامية، و منها بلدان عربية، و بما ينسجم مع التوجهات العالمية الهادفة الى زيادة تكامل واندماج اقتصاديات هذه البلدان وتوثيق ارتباطاتها بالاقتصاد الرأسمالي العالمي على وفق وصفات الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد والبنك الدوليين، وما تتضمنه من دعواتٍ إلى إطلاق العنان لبرامج الخصخصة و جذب الاستثمارات الأجنبية، تساندهما في ذلك طروحات منظمة التجارة العالمية بشأن حرية التجارة، واعتبار ذلك يمثل المخرج من أزمات التنمية و السبيل للتخلص من أعباء المديونية الخارجية و إعادة التوازن الاقتصادي على الصعيدين الداخلي والخارجي. وقد لجأت العديد ممن البلدان العربية إلى الاستعانة بمصادر التمويل الخارجي، كما آثرت بعض البلدان العربية تطبيق سياسات إصلاح اقتصادي على وفق ما تقترحه الوصفات العالمية، في محاولة لإيجاد مخرج لمعالجة الاختلال الاقتصادية والحد من الاعتماد المالي على الخارج ومن ثم فقد استهدف هذا الكتاب التعرف على طبيعة العلاقة بين التمويل الخارجي وسياسات الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي ودور التمويل الخارجي و سياسات الإصلاح في تصحيح الاختلالات الاقتصادية في بلدان إصلاح عربية مختارة، ( مصر و الأردن و تونس )، في ظل مشكلة الاعتماد المتزايد لهذه البلدان على مصادر التمويل الخارجي وأتساع نطاق فجوة الموارد المالية.
أن مشكلة بعض البلدان العربية هي في زيادة اعتمادها على التمويل الخارجي، سواء عن طريق القروض الخارجيـة أو الاسـتثمارات الأجنبية، وما يتصل بهذا التمويل من سياسات إصلاحية وفق وصفات المؤسسـات الدولية، والتي سـاهمت في زيادة ارتباطات الاقتصاديات العربية بالسوق الرأسمالية العالمية، واستمرار تدفق الفوائض الاقتصادية العربية لمعالجة أزمات الاقتصاد الرأسمالي العالمي وتصحيح الاختلالات الحاصلة فيه، مقابل زيادة أعباء التمويل الخارجي واستمرار الاختلالات الاقتصادية وحالة التبعية في اقتصاديات الإصلاح العربية .
لقد انطلقنا في هذا الكتاب اعتمادا على فرضية مفادها أن التمويل الخارجي وما يتصل به من سياسات إصلاح اقتصادي في بلدان الإصلاح العربية، قد فاقم من مشكلات التنمية في هذه البلدان، وساهم في التأثير في جوانب مهمة من سياساتها التنموية الوطنية، وأدى إلى استمرار الاعتماد على الموارد الخارجية وزيادة حجم الالتزامات المالية وأعباء الديون للخارج .
إنني أهدف من وضع هذا الكتاب التعرف على طبيعة العلاقة بين التمويل الخارجي وسياسات الإصلاح الاقتصادي. ومدى قدرة التمويل الخارجي وسياسات الإصلاح على تصحيح الاختلالات الاقتصادية في بلدان الإصلاح العربية، وانعكاسات ذلك على واقع التنمية وحالة التبعية في هذه البلدان.
وللوصول إلى الهدف، فقد عملت على المزج بين أسلوب المنهج الاستدلالي الذي يتصل بالجوانب النظرية لموضوع التمويل الخارجي، معتمدين في ذلك على المعطيات الواردة في أدبيات التنمية والاقتصاد الدولي، وأسلوب المنهج الاستقرائي الذي يتصل بالجوانب التطبيقية في بلدان عربية مختارة، في ضوء الحقائق الاقتصادية المعززة بالبيانات الإحصائية من اجل التوصل إلى استنتاجات واقتراح التوصيات اللازمة لمواجهة مشكلة البحث.
لقد تضمن الكتاب ثلاثة فصول، تضمن الأول منها (المداخل الأساسية للتمويل الخارجي في البلدان النامية)، حيث تم البحث في هذه المداخل من خلال ثلاثة مباحث، خصص الأول للإطار المفاهيمي للتمويل الخارجي في البلدان النامية، في حين خصص المبحث الثاني للتعرف على طبيعة العلاقة بين التمويل الخارجي للبلدان النامية وآليات التصحيح في الاقتصاد الرأسمالي
أما المبحث الثالث فقد تضمن البحث في العلاقة بين التمويل الخارجي وسياسات الإصلاح الاقتصادي في البلدان النامية.
وفيما يتعلق بالفصل الثاني فقد تم التطرق إلى موضوع (التمويل الخارجي في بعض بلدان الإصلاح العربية)، حيث تم اختيار ثلاثة بلدان عربية، وهي مصر والأردن وتونس، استنادا لكون هذه البلدان من أكثر البلدان العربية المعنية بقضايا التمويل الخارجي وسياسات الإصلاح الاقتصادي.
وقد تم تقسيم هذا الفصل إلى أربعة مباحث، تناولت في المباحث الثلاثة الأولى حالة القروض الخارجية في البلدان العربية المختارة وعلاقتها بسياسات الإصلاح الاقتصادي.
أما المبحث الرابع فقد تم تخصيصه لدور الاستثمارات الأجنبية في عمليات التمويل الخارجي في بلدان الإصلاح العربية.
وتضمن الفصل الثالث البحث في (آثار التمويل الخارجي والإصلاح في بعض المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في بلدان الإصلاح العربية)، وذلك من خلال أربعة مباحث تم تخصيص الثلاثة الأولى للتعرف على مدى التغيرات الحاصلة في بعض المؤشرات الاقتصادية وانعكاساتها على حالة المديونية الخارجية وفجوة الموارد المالية. في حين خصص المبحث الرابع للبحث في (الآثار الاجتماعية في بلدان الإصلاح العربية)، من خلال تحليل بعض المؤشرات في هذا المجال.
أ.د عدنان حسين يونس
Be the first to review “التمويل الخارجي و سياسات الإصلاح الاقتصادي – تجارب عربية –”