يقول الكاتب الفرنسي كوندرسي في كتابة تطور الفكر الإنساني “إن هدفنا لا ينحصر في دراسة مبدأ في حد ذاته، بل في تفسيره ومناقشته أو دعمه بنصوص أخرى نسنده عليها، ونحن لا نتبنى مقولة ما لأنها صحيحة، بل لأنها وجدت في كتاب ما، أو قبلت في بلد ما، أو من قبل جماعة معينة ولمدة من الزمن”.
إن التطور السريع الذي تمر به اليوم المجتمعات، وما نتج عنه من تفاوت كبير وعلى الصعد، بين المنتج والمستهلك، لا بد أن يواجه أو يصطدم بقصور القواعد القانونية، أو عدم اتفاقها ومقتضيات هذا التطور، فإن هذا يملي علينا النظر إلى المبادئ العامة للقانون باهتمام أكبر لما لها من أهمية من الناحيتين النظرية والعملية وكمصدر خصب لنشأة القواعد القانونية، ومن هذه المبادئ التي يمكن الركون إليها مبدأ أزلي ألا وهو مبدأ حسن النية.
إن فكرة حسن النية كانت في بادئ الأمر تفرض على المتعاقد موقفاً سلبياً بعدم اتخاذ مسلك ينطوي على غش أو سوء نية، وتطورت الآن بأن أصبحت تفرض عليه سلوكاً إيجابياً بالتعاون وعدم الاكتفاء بالامتناع عن سوء النية. فالعقد ليس ثمرة التوفيق بين إرادتين متضادتين تعبران عن مصالح متعارضة، وإنما يجب أن ينظر إليه على أنه الوسيلة القانونية للتعاون بين الطرفين.
من المسلم به في التشريعات الحديثة، أن حسن النية يشكل أحد المبادئ الأساسية في المجال القانوني بشكل عام، وفي مجال العقود بشكل خاص. فحسن النية يمتلك الإطار والروح التي يجب أن تسود إنشاء وتفسير وتنفيذ العقد وتحديد محتواه. فإذا تعددت معاني عبارات العقد، وإذا تعددت طرق التنفيذ، فعلى القاضي أو من يريد التنفيذ أن يختار المعنى والطريق الذي تقتضيه الأمانة والاستقامة والعدالة.
فحسن النية ذلك المصطلح الشائع والذي يلجأ إليه في مواضع كثيرة ومتنوعة، فما هو دوره في العقود؟ وما هو مداه على ضوء القانون والفقه والاجتهاد في لبنان؟ لقد اقتضى ذلك أن عرض حسن النية في العقود في ثلاثة أقسام: القسم الأول عن حسن النية في الفترة السابقة للتعاقد. القسم الثاني: عرض حسن النية في فترة تنفيذ العقد. القسم الثالث عرض دور حسن النية في عقد التأمين (الضمان) البحري، وأخيراً أورد بعض الاجتهادات.
Be the first to review “حسن النية في العقودر” دراسة مقارنة “”